الثقافة الغائبة.. خواطر مشجع عربي عن دوري السوبر الأوروبي

الثقافة الغائبة.. خواطر مشجع عربي عن دوري السوبر الأوروبي

رغم انهيار مشروع دوري السوبر الأوروبي، عقب الإعلان عنه بأيام، وقيام مشجعي الأندية التي انخرطت في المشروع بإفشاله ومهاجمة إدارات الأندية، إلا أن الثقافة الأوروبية فيما يتعلق بكرة القدم اختلطت بتمنيات المشجعين العرب بالاستمرار في الخطوة، ما كان سيضمن لأنديتهم دخلًا هائلًا.

وهو ما يرجع إلى ثقافة الانتماء الأوروبي الغائبة عن المشجع العربي، مهما بلغ ارتباطه بفريق أجنبي، أو متابعته ومعرفة كل ما يدور عنه أو حوله من أخبار.

تختلف طبيعة جماهير الأندية الكبيرة في أوروبا عن مشجعي تلك الأندية في البلاد العربية وبقية العالم، من يشجع ليفربول أو مانشستر سيتي أو تشيلسي في انجلترا اختار تشجيعه لأن هذا النادي يمثل له قيمة معينة.

وسواء كان الاختيار انتماءاً طبقيًا، (شيفيلد يونايتد مثلا نادي العمال وشيفيلد وينزداي نادي الطبقة الوسطى) أو انتماء جغرافي (نيوكاسل وليدز وليستر مثلا مدن ملتفة بالكامل حول أنديتها) أو انتماء ديني (رينجرز الاسكتلندي نادي البروتوستانت وسيلتيك نادي الكاثوليك) أو انتماء وطني (الأيرلنديين المقيمين في إنجلترا كلهم يشجعون ليفربول) أو انتماء عائلي (سيتي أو يونايتد في مانشستر و ليفربول أو ايفرتون في ليفربول تشجيعهم يأتي وراثة من العائلة).

لهذا هؤلاء المشجعين ليسوا مثل المشجعين العرب، كل همهم إن يشجعوا فريق يكسب طوال الوقت حتي يستطيعوا الاحتفال والشعور بتحقيق إنجاز غائب بشكل عام.

الجماهير في إنجلترا تعتبر الانتماء الكروي مسألة مبدأ مثل الدين ، فمن الممكن أن تجد أن نادي هبط درجة تانية ولديه مباراة في وسط الأسبوع خارج أرضه على بعد 500 كم ووراءه 4,500 مشجع وهناك مثلهم ثلاث مرات من الممكن أن يذهبوا لو وجدوا التذاكر.

بالنسبة للمشجعين.. الموضوع ليس المباراة فقط .. الرحلة نفسها بكل ما فيها من أكل وشرب وغناء وانبساط وضحك هي الهدف. الصوت اللي بيعملوه في مدرجات ملعب المنافس واللافتات التي يرفعوها ليست مجرد تشجيع للاعبيهم ختي يكسبوا المباراة لن تفرق النتيجة كثير معهم.. الموضوع تعبير عن هويتهم وانتماءهم والقيم اللي في اعتقادهم بيمثلها فريقهم.
وتبقى الرسالة للفريق المنافس في الملعب وهي قد نكون هبطنا لكننا فخورين بفريقنا وانتماءنا والعالم كله يجب أن يعرف أننا لسنا مستعرين من الهبوط . طبعا هذا لا يعني إن الجمهور لا يخب أن يكسب، ولكن المكسب ليس كل ما يطلبه.

لو كان الجماهير في إنجلترا كل همها المكسب لكانت انجلترا مثل مصر أو السعودية ليس بها غير ناديين أو ثلاثة لهم جماهير والباقي ديكور.

جماهير الأندية الكبيرة في انجلترا بتشترك مع الأندية الصغيرة في كل هذة الأشياء . أنا مثلا كمشجع يسافر كتير خلف تشيلسي في بعض مبارياته الأوروبية ، أكون مترقبا لقرعة دوري الأبطال كل سنة حتي أعرف أين سأسافر هذا الموسم ، وأكون متحمس كلما نذهب إلى بلد جديدة مثل بورتو أو نابولي أو روسيا أو أوكرانيا، لأن مثل هذه الرحلات تكون فرصة للاحتكاك بجماهير وملاعب وتقاليد كروية مختلفة، ودائما نري فيها أشياء جديدة وتجارب جديدة وتكون فرصة لنا لكي نعرض تاريخنا وشغفنا بفريقنا وتشجيعنا لناس جديدة.

أنا ومن نصلي لا نريد كل سنه أن نكون محصورين في ثلاث أربع أندية لا نذهب إلا إليهم ونخوض نفس التجارب كل عام . مباراة بين برشلونة وتشيلسي مثلا تكون حدث تاريخي لأنها لا تحدث إلا مرة كل كام سنة. ولكن لو كان كل سنة سيفقد حلاوته، ومن الممكن أن أذهب مرة أو اثنين ثم بعد ذلك أصاب بالملل ولا أذهب.

دوري السوبر كبطولة مغلقة على أندية معينة تلغي أنواع كتير من الإثارة اللي بنعيشها من القرعة للتأهل.
المشجعون الحقيقيون مثلي أولويتهم الاستمتاع باللعبة نفسها حتى لو انتهت بالخسارة ساعات. المتعة هي إن إحنا نحرت ونتعب ونفحت في الصخر ونكسب مرة ونخسر مرتين.. وهذا شيئ عادي.. ولا أحد يريد أن يضمن مكانه في المسابقة الأوروبية لمجرد إنه فريق له تاريخ أو لدية أموال.
لا أحد يريد فريقه لا يقابل منافسة محلية إلا من ثلاث أو أربع فرق والباقي كومبارس. لا أحد يري المتعة في وضع شاذ مثل هذا .

يمكن لمثل هذا الوضع أن يناسب المشجع الأهلاوي التقليدي في مصر ويحبه ويستمتع به ويروق له ، لأن الأهلي بالنسبة له مجرد وسيلة لخلق لحظات انتصار وهمية على منافسين ورقيين في حياة مليئة بالهزائم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأكيد هناك زملكاوية يتمنوا أيضا أن يكونوا مثل الأهلوية ولكن فريقهم لا يساعدهم على ذلك .

لكن مثلما ذكرت سابقا الثقافة في انجلترا مختلفة تماما. المطلوب هنا انتصار حقيقي على منافس حقيقي، فاللعب نفسه متعة.

مشجع لأرسنال قال بالامس في التلفزيون "ما فائدة أن أشاهد مباراة أرسنال وايفرتون لو أنني أعلم إن لا قيمة للنتيجة للتأهل لبطولات أوروبا؟" فالمذيعة سألته: ولكن انتم لن تتأهلوا غالبا في الموسم القادم وهذه كانت فرصة لكم. هل لا تريد أن تلعب في أفضل بطولة في أوروبا؟
فقال لها: "بالتأكيد أريد أن نلعب ، وأريد أن نكسب البطولة في يوم من الأيام، لكن أريد أن نحقق هذا بمجهودنا وعن جدارة، وفي منافسة متكافئة وعادلة. لا متعة في أن تكسب شيئا لا يستحقه، ولو أصبحت كل مكاسبنا مثل هذا فستكون هذه اللحظة التي ينتهي فيها نادينا كمؤسسة رياضية.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
logo
واتس كورة
wtkora.com