قدمت انجلترا للعالم، طوال السنوات الماضية، أقوى دوري كرة قدم، من حيث السرعة و المتعة والنجوم الكبار لكن مع بدابة الموسم الحالي 2019 – 2020 حدث ما لم يتوقعه أحد، حيث أصبح الدوري الانجليزي هو السبب في عودة ظل العنصرية الأسود إلى أوروبا مرة أخرى.
عنصرية الملاعب والمدرجات ضد أصحاب البشرة السمراء، أمر واقعي ومتواجد منذ سنوات بالملاعب، ولكنه بدأ يتلاشى مع قدوم الالفية الجديدة، وصارت حوادث العنصرية في كل موسم قليلة جداً، بل تعد على أصابع اليد ولكن هذا الموسم عادت العنصرية وبقوة، والسبب الأبرز هو الدوري الإنجليزي والصحافة الإنجليزية، التي ساهمت في نقل عدوى العنصرية لكل ملاعب القارة العجوز.
وثعت بعض الحوادث العنصرية في الموسم الماضي، ولكنها كانت قليلة ولم يهتم بها أحد، لإنها حوادث عابرة ولكن هذا الموسم ساء الوضع، مع إشعال الصحافة الانجليزية لنار العنصرية، لتنتشر في جميع أنحاء أوروبا.
البداية
بدأت العنصرية هذا الموسم بحادثتين لم تهتم بهما الصحافة العالمية بقوة ولم يتم تسليط الضوء عليهما، قبل أن تدخل المواقع الإنجليزية على الخط، وتلقي بعود الثقاب في مستودع وقود.
أول حادثة وقعت في نهائي السوبر الاوروبي يوم 14 أغسطس 2019 عندما قامت بعض جماهير نادي تشيلسي الإنجليزي بالهجوم علي مهاجم الفريق تامي ابراهام، على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب إهدار ركلة جزاء اضاعت اللقب من الفريق، وكانت معظم هذه الهجمات عنصرية ضد اللاعب كونه من اصحاب البشرة السمراء، ولكن هذه الحادثة لم تكن مؤثرة ولم تهتم بها الصحافة الا لعدد قليل من الايام.
الحادثة الثانية كانت في ايطاليا يوم 2 سبتمبر 2019 في مباراة انتر ميلان وكالياري و كان ضحيتها مهاجم إنتر ميلان الجديد روميلو لوكاكو الذي تعرض لهتافات عنصرية من جماهير كالياري، ورغم ذهاب اللاعب الي مواقع التواصل الاجتماعي للحديث عن الحادثة و انها امر مؤسف فوجئ الجميع ببيان من التراس نادي انتر ميلان يدافع عن جمهور كالياري ضد مهاجم فريقهم و قال البيان: "نأسف حقاً لأنكم تعتقدون أن ما حدث في كالياري كان عنصرياً، يتعين عليكم أن تفهموا أن إيطاليا ليست مثل الكثير من بلدان شمال أوروبا الأخرى التي تعد فيها العنصرية مشكلة حقيقية"، ولم يهتم احد بعد هذا البيان بهذه الحادثة مرة أخرى.
الصحافة الانجليزية تشعل نيران العنصرية
اشتعلت نيران العنصرية عندما تدخلت الصحافة الانجليزية بقوة في تناول هذا الموضوع وجاء ذلك قبل اسبوعين من مباراة منتخب انجلترا و منتخب بلغاريا في تصفيات يورو 2020.
وبالغت الصحافة الانجليزية في تصور امكانية وقوع هتافات عنصرية في المباراة ضد لاعبي منتخب انجلترا و اجرت لقاءات مع بعض اللاعبين ومدرب المنتخب و مسئولي الاتحاد الانجليزي للحديث عن ماذا يمكن ان يحدث في حال توجيه هتافات عنصرية في اللقاء، وكان الغرض من كل هذه الاحاديث هو وضع ضغط علي منتخب بلغاريا وجماهيره ولكن النتيجة جاءت عكسية فبهذه التقارير الصحفية عرفت جماهير بلغاريا كيف يمكنها مضايقة لاعبي المنتخب الانجليزي وبالفعل يوم 14 أكتوبر 2019 في مباراة إنجلترا و بلغاريا بتصفيات أمم أوروبا تتوقف المباراة مرتين بسبب الهتافات العنصرية الموجهة لنجوم إنجلترا السمر.
بعد اللقاء شنت الصحافة الانجليزية هجوما قويا علي بلغاريا وسلطت الضوء بقوة علي حادثة الهتافات العنصرية في اللقاء وبسببها تلقّت بلغاريا عقوبة من الاتحاد الأوروبي لكرة القدم "يويفا" ان يخوض المنتخب مباراته القادمة على أرضه بدون جماهير، وستطبق العقوبة على مباراة بلغاريا في التصفيات ضد جمهورية التشيك.
كما فرض الاتحاد الأوروبي لكرة القدم على الاتحاد البلغاري غرامة مالية 85 ألف يورو وألزم الاتحاد الكروي الأوروبي منتخب بلغاريا بلعب مباراتين على ملعبه، مع رفع لافتة "لا للعنصرية" إلى جانب شعار "اليويفا" و بعدها أعلن رئيس اتحاد كرة القدم في بلغاريا بوريسلاف ميهايلوف عن استقالته من منصبه، قائلاً: "من غير المقبول بالنسبة لبلغاريا التي تعد واحدة من أكثر الدول تسامحًا في العالم والأشخاص من مختلف الأعراق والأديان يعيشون في سلام أن يرتبطوا بالعنصرية وكراهية الأجانب" وتحدث انه قبل ايام من المواجهة بين بلغاريا وانجلترا ناشد الاتحاد الاوروبي التدخل لوقف "التوترات" بعد ان صرح مهاجم انجلترا تامي ابراهام بان فريقه مستعد للانسحاب من ارضية الملعب اذا واجه هتافات عنصرية ولكن ما حدث قد حدث.
بعد هذه العقوبات استمرت الصحافة الانجليزية في تضخيم الموضوع اعلامياً و تسليط الضوء عليه ونشر تصريحات لمسؤولين يطالبون بفتح تحقيق حول هذه الواقعة و كالعادة جاءت النتيجة عكسية حيث انقسمت الجماهير بين من يرفض العنصرية وبين من يري ان الموضوع اخذ اكبر من حجمه وان العقوبات كانت قاسية لكي تشتعل بعدها العنصرية في مباريات الدوري الانجليزي التي اصبحت تشهد حوادث عنصرية متزايدة.
وما زاد الطين بلة هو قيام الصحافة بنشر صور الاشخاص أصحاب الهتافات العنصرية مما زاد غضب الجماهير خاصة مع نشر صورة خاطئة في بادئ الامر بجانب اهتمام اصحاب النفوس الضعيفة من الجماهير بهذه الحوادث وقيامهم بها حيث يجدون فيها الشهرة والحديث عليهم من قبل الصحافة الانجليزية التي اشعلت نيران لا تستطيع اطفائها.
نيران العنصرية تمتد الي خارج انجلترا
يوم 16 اكتوبر 2019 أعلن الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا) فرض عقوبة على نادي لاتسيو الإيطالي تقضي بإغلاق جزء من مدرجات ملعبه في مباراة سلتيك الاسكتلندي في مسابقة "يوروبا ليج" على خلفية سلوك عنصري من مشجعيه خلال اللقاء أمام رين الفرنسي حيث قام بعض مشجعي لاتسيو بأداء التحية الفاشية خلال الفوز 2-1 على رين في الثالث من أكتوبر 2019.
بجانب عقوبة غلق المدرجات فرض الاتحاد الأوروبي غرامة مالية على النادي 20 ألف يورو أي ما يوازي 22 ألف دولار، إضافة إلى عقوبة مع وقف التنفيذ بخوض مباراة على أرضه خلف أبواب موصدة، على أن يرفع لافتة في الملعب كتب عليها ("لعبة متساوية") وشعار الاتحاد الأوروبي.
وأعلن حينها رئيس "الويفا" السلوفيني ألكسندر تشيفيرين أن على كرة القدم أن "تشن حربًا" علي العنصرية في أعقاب تنامي هذه الظاهرة في ملاعب القارة في الأشهر الأخيرة.
اعترض نادي لاتسيو في بيان على قرار "يويفا" وجاء في البيان "تشكل القرارات عقوبة شديدة لا يبدو أنها أخذت في الاعتبار الإدانة الواضحة من النادي ضد السلوك العنصري البغيض لعدد قليل من الأشخاص غير المسؤولين".
لم تكتف نيران العنصرية بإشعال البطولة الاوروبية بل بدأت تمتد بحثاً عن مادة اخري في دوريات اخري قابلة للاشتعال وبالفعل وجدت العنصرية ضالتها في ايطاليا وبدأت النيران تشتعل هناك و الأسوأ من ذلك ان الصحافة الايطالية قامت بتكرار ما قامت به الصحافة الانجليزية وساعدت في اشعال نيران العنصرية في ايطاليا ثم ايصالها إلى شرق اوروبا.
يوم 3 نوفمبر 2019 تعرض نجم نادي بريشيا الإيطالي ماريو بالوتيلي الي هتافات مهينة خلال لقاء فريقه مع فيرونا بالدوري الإيطالي وبدأ اللاعب في البكاء من حدة الهتافات.
يوم 10 نوفمبر 2019 اللاعب البرازيلي تايسون لاعب نادي شاختار دونيتسك الأوكراني يخرج من الملعب باكياً بعد مهاجمته بالهتافات من قبل جماهير دينامو كييف.
و يوم 5 ديسمبر تعود الصحافة الايطالية لتزيد نيران العنصرية بعنوان يدل علي ان الصحافة هي السبب في زيادة العنصرية هذا الموسم حيث كتبت صحيفة كورييري ديلو سبورت الإيطالية عنوان في صفحتها الأولى يقول "الجمعة السوداء"، بجانب صور للبلجيكي لوكاكو لاعب إنتر ميلان و الانجليزي كريس سمولينج لاعب نادي روما مما اثار غضب الجماهير و ادارة الفريقين من الصحيفة الايطالية و اتهامها بنشر العنصرية رغم انها كانت تشير ان اللاعبين من اكثر الصفقات المؤثرة و لكن تم فهم العنوان بشكل خاطئ لتحدث مناوشات علي مواقع التواصل الاجتماعي بين الجماهير والصحافة الايطالية وعلى جانب أخر اعرب نادي روما على موقع تويتر للتواصل الاجتماعي عن صدمته وامتعاضه من العنوان فيما علق نادي إنتر بأن كرة القدم تعبير عن العشق والثقافة والأخوة وأنه سيكون دائما ضد مختلف أشكال التمييز العنصري.
لم تتوقف الصحافة الايطالية هنا بل زادت الطين بلة يوم 16 ديسمبر بنشر صورة لنبذ العنصرية و التي تمثلت بصور لعدة قردة و هو ما يتم وصف اللاعبين اصحاب البشرة السمراء به بجانب استخدام رابطة الدوري الايطالي نفس الصورة لنبذ العنصرية وذلك اغضب الجماهير اكثر و بدأ البعض يطلق الهتافات العنصرية مدعياً ان الصحافة تقوم بذلك وانها حرية لتنضم الصحافة الايطالية الي الصحافة الانجليزية في فشلها في اطفاء نيران العنصرية .
نيران العنصرية لا تنطفئ في انجلترا
وكعادة الصحافة الانجليزية تناولت الموضوع بشكل موسع و نشر التحقيقات و العقوبات و اخذ التصريحات من الجميع ليساهموا في انقسام الاراء بين رافض للعنصرية و بين من يري انها مجرد مباراة و العبارات جاءت نتيجة التعصب من اداء الفريق الخاسر.
ومع مطلع العام الجديد نشهد حادثة اخري وقعت يوم 1 يناير 2020 في مباراة تشيلسي و برايتون حيث تم القبض علي مشجعين بسبب الاساءة العنصرية اثناء المباراة والتي انتقلت ايضاً لتكون بين المشجعين بعضهم البعض و ليس ضد اللاعبين فقط.
في النهاية حوادث عنصرية الملاعب هذا الموسم من الممكن ان تسجل رقماً قياسياً جديدا ويبدو انها لن تتوقف ما لم تتوقف الصحافة عن نشر التصريحات التي تأتي بنتائج عكسية و تغري من يسعى إلى الشهرة لاستغلالها.
