البرازيل 1970.. أجمل كرة قدم في التاريخ

البرازيل 1970.. أجمل كرة قدم في التاريخ

تمتلك كرة القدم تاريخًا طويلًا مع الفرق الأسطورية والتى أمتعت الجماهير بأساليب لعبها المميز بفضل قدرات نجومهم الموهوبين في تسجيل الأهداف المميزة والقيام بالرحكات والمراوغات الصعبة والممتعة في مشاهدتها بالإضافة إلى فوزهم بالعديد من الألقاب والبطولات الكبيرة والمميزة.

إستمرت الجماهير في تشجيع ودعم هذه الفرق على مدار التاريخ ولكن هناك حقيقة لا يمكن إنكارها أن أفضل وأجمل فريق فيهم هو منتخب البرازيل الأسطوري عام 1970.

إحتفلت الجماهير البرازيلية في بطولة كأس العالم عام 1962 والتى أقيمت في تشيلي بتتويجهم باللقب التالي على التوالي بعد تغلبهم على تيشكسلوفاكيا في النهائي بنتيجة 3-1.

إستمرت الإحتفالات الصاخبة داخل البلاد لأيام وتحول كلا من جارينشا وبيليه إلى أبطال قوميين على الرغم من غياب الجوهرة السمراء عن معظم مباريات هذه البطولة بسبب الإصابة.

بدأت الحكاية في عام 1961 بعد أن تولى جواو جولار الرئاسة بعد تنحى جانيو كوادروس نظرا لكونه نائب الرئيس وتنبئ الشعب البرازيلي بالخير بعد أن أصبح رئيسا للبلاد.

سعى جولار لدعم العديد من الصناعات الوطنية ليبني إقتصاد قوي ومتماسك ولكن أدت قراراته الإقتصادية لسحب الشعب والبرلمان دعهمه له نظرا لخوفهم من دخول البلاد للحلف الإشتراكى.

أدت هذه الإختلافات لنشوب حرب أهلية وفي عام 1964 إستعدت قوات الجيش للقيام بإنقلاب عسكري على نظام الحكم، لذلك هرب جولار إلى الأوروجواى خوفا من العقوبات وفي غضون 10 أيام تولي وزير الدفاع البرازيلى المارشال كاستيلو برانكو الرئاسة بعد إختيار الكونجرس له.

أدى هذا الإنقلاب إلى إيقاف جميع قرارت جولار في البلاد ومن ضمنها الإصلاحات الإقتصادية وعمل كاستيلو على التدخل والتحكم في النظام السياسي بشكل كبير.

أضاف كاستيلو المزيد من الصلاحيات والقوة للرئاسة حيث يستطيع أى شخص حاليا ذو منصب أن يوظف أو يطرد أي شخص من حزب معارض في أي وقت.

تولى المارشال أرتر دى كوستا الرئاسة من بعد برانكو وإتخذ قرارات أعنف بكثير حيث قام بحل مجلس الشعب وزود من الرقابة بشكل كبير وأضاف المزيد من القوة والصلاحيات له ليصبح بمثابة الديكتاتور.

لكن لم يستمر دي كوستا في منصبه طويلا بسبب تعرضه للعديد من الوعكات الصحية لذلك تولى الجنرال إميليو جاراستازو ميديسي المنصب بدلا منه.

إستمر حكم ميديسى للعديد من السنوات شهدت البلاد فيها إنخفاضا إقتصاديا مستمر بالإضافة إلى بطئ شديد في إرتفاع معدلات النمو والعديد من الإضطرابات الإجتماعية.

تعرض الصحفيين للتعذيب والإعتقال تحت حكمه بسبب فرضالرقابة الشديدة وإذا ما كانوا متهمين بشئ أم لا وكان يتم إعتقالهم بشكل فوري وبدون أي محاكمات.

إستمر ميديسي في فرض نفوذه وسيطرته ولكنه وجد فرصته في التهرب من هذه الضغوط عن طريق كرة القدم.

لم يسبق للبرازيلين أن دعموا نظام سياسي بكامل طوائفهم، ولكن الأمر يختلف تماما مع منتخب بلادهم الوطنى حيث يمتلك هذا الفريق معاني ساميه كثيرة.

رغب ميديسي في أن تحظى حكومته بنفس الدعم الشعبي الذي يحظي به المنتخب الوطني فقرر أن يدعم الفريق بشكل كبير ليحقق نجاحا سياسيا يكتب في تاريخ إنجازاته مع البلاد.

أنشا ميديسي العديد من الملاعب الجديدة في جميع أنحاء البلاد وإستمر في التدخل بالشئون الرياضية في البلاد، وكان تدخله بمثابة الفرض علي الجميع فلم يقدرأي شخص على الإعتراض أو الترحيب أيضا.

كان إختياره لتشكيلة اللاعبين لفريق فلامينجو هو المثال الأبرز لتدخل ميديسي في مجال كرة القدم بل وصل الأمر إلى تدخله في تشكيله المنتخب.

تمتع المنتخب البرازيلي بقوة كبيرة قبل بداية كأس العالم 1970 حيث نجحوا في الفوز بجميع المباريات المؤهلة للبطولة على الرغم من فشل المدرب جواو سالدانها في إشراك جميع نجومه بالمباريات.

إعترض سالدينهو بشكل كبير على إشراك كلا من بيليه وتوساتو في المباريات بالإضافة إلى عدم إشراكه لريفلينو والذى كان المهاجم المفضل ليميدسي خلال هذه الفترة. إصطدم سالدانها مرة أخرى بميديسي بعد أن تدخل في التشكيل لرغبته في إشراك داريو، وكان رد سالدينهو حاسما حيث قال: " أنا لا أتدخل في طريقة حكمه وتشكيله الوزارى، لذلك فهو لا يمتلك الحق للتدخل في تشكيلة فريقي".

أدى هذا الخلاف إلى إقالة سالدينهو من تدريب المنتخب وقام بتعيين ماريو زاجالو بدلا منه، وإستمر ميديسي في حكم البلاد بطريقته في الوقت الذي نفذ زاجالو كل تعليماته بالحرف.

كان زاجالو يسعى وراء هدف واحد فقط وهو أن يشرك جميع نجوم الفريق تحت أسلوب لعب واحد فقط. إمتلك الفريق البرازيلي في هذه الفترة الكثير من النجوم في المركز رقم 10 بالملعب مثل ريفيلنو الذي تمتع بالمهارة والقدرة على المراوغة بشكل مميز للغاية بالإضافة الى جاريزنيو الذى بإمكانه المرور ومراوغة أي دفاع بالإضافة إلى جيرسون الذى بمقدروه التحكم في إيقاع اللعب بشكل مميز للغاية.

إعتمد زاجالو على طريقة 4-2-4 ليشرك أيضا بيليه بجانب بوساتو والتى كانت يلعب بها الفريق في بطولة كأس العالم عام 1962.

إعتمد زاجالو مع الفريق على اللعب بهذه الطريقة وإتضح أن بيليه يشارك تحت توساتو حيث أصبح في مركز صانع الألعاب بينما برز دور توساتو في الملعب على أنه مهاجم وهمي ليشارك في بناء اللعب ولخداع دفاعات الخصوم ففي الوقت الذي سيهتم مدافعين الخصوم بمراقبة توساتو مما سيخلق المساحات المميزة لكلا من بيليه وجاريزينيو.

إعتمد زاجالو على اللا مركزية في تشكيلته حيث أتاح لريفيلينو الحرية في الجانب الأيسر ليتحرك في منطقة الوسط والطرف ليتواجد بين كلودادو وجيرسون أو يتمركز في خط الهجوم بجانب بيليه.

عرف هذا الأسلوب بإسم الكابويرا والذى يعتمد على حرية الحركة للاعبين في الملعب وكان هذا الأسلوب جديد للغاية على الجميع، فهو لا يشبه طريقة الكتناشيو الإيطالية في الدفاع حيث إمتزجت هذه الطريقة بأسلوب التكتيك الملتزم بالإضافة إلى جمال ومهارة الكرة البرازيلية.

كانت طريقة الكابويرا في الأصل إحدى الفنون القتالية والتي إستخدمت في تحرير والتعبير عن النفس في البرازيل ضد الإستعمار في فترة الثلاثينيات.

إستعد منتخب السيلياو للسفر إلى المكسيك للمشاركة في كأس العالم وكان هناك إتجاهين فقط داخل البلاد، الأول كان يدعم الفريق بشكل كبير أملا منهم في إدخال السعادة والفرحة لقلوبهم وسط هذه الظروف السيئة أما الجانب الأخر فكان ثائرا أمام المنتخب ويرغب بشدة في أن يفشل الفريق الوطني في البطولة مما سيزيد الضغط على ميديسي للرحيل.

تواجد المنتخب البرازيلي في مجموعة ضمت بطل العالم المنتخب الإنجليزي ومنتخب تشيكوسلوفاكيا بالإضافة إلى المنتخب الروماني الذي أثبت قوته بشكل كبير وكانت التوقعات تشير إلى فشل السامبا أمام هؤلاء الفرق نظرا لتفوق المنتخبات الأوروبية في القوة البدنية عن البرازيل.

تقابل المنتخب البرازيلي مع تشيكسلوفاكيا في المباراة الأولى وقدم الفريق مستويات رائعة للغاية بإسلوب لعبهم الجديد والممتع، وعلى الرغم من تسجيل تيشسلوفاكيا الهدف الأول، إلا أن ريفيلنو نجح في التعادل بشكل رائع للغاية.

سدد بيليه بعدها كرة رائعة للغاية من وسط الملعب كادت أن تدخل المرمى، وعلى الرغم من أنها لم تسكن الشباك إلا أن الجاهير تحمست للغاية من روعة هذه الكرة.

إستمر راقصي السامبا في إستعراض مهاراتهم بشكل كبير في الشوط الثاني وإنتهت المباراة بنتيجة 4-1 لصالحهم.

كان جيرسون بمثابة القلب النابض للفريق والمحرك الرئيسى لخطى الهجوم والدفاع بالإضافة إلى قدرات بيليه وريفيلنو وجيرسون وتوساتو في تسجيل وصناعة الأهداف.

إستمر المنتخب البرازيلي في تحقيق النتائج الكبيرة والرائعة أمام جميع الفرق حتى وصل إلى نصف النهائي لمقابلة الأوروجواي. كانت هذه المباراة بمثابة رد الإعتبار لراقصي السامبا بعد أن تغلب عليهم الأوروجواي في معقلهم وفازوا ببطولة كأس العالم عام 1950.

تواجد ببيليه في تشكيلة هذه المباراة ولكن فرض مدرب منتخب الأوروجواي رقابة لصيقه عليه وعلى زميله جيرسون للحد من خطورتهما. عانى الفريق البرازيلي بشكل كبير بسبب ضيق المساحات ومن ثم ساءت الأمور بعد أن سجلت الأوروجواى الهدف الأول لتصبح النتيجة 1-0.

لكن هذا لم يؤثر على اللاعبين حيث أخبر جيرسون زميله إيفيرالدو في أن يبدء في صناعة الهجمات من قلب المدفع بدلا من الأطراف وبالفعل أدى هذا إلى تسجيله الهدف الأول بعد استلامه لعرضية توساتو.

سجل بعدها جارزينيو وريفيلينو هدفين فيما بعد لينتهي اللقاء بنتيجة 3-1 لصالح السامبا ليبرز هذا الفريق للعالم كله طريقة جديدة للعب عجزت جميع المنتخبات عن إيقافها أو الصمود أمامها.

صعدت البرازيل إلى النهائي لمقابلة منتخب إيطاليا وفرضوا سيطرتهم على المباراة بشكل كبير على الرغم من إعتماد الأتزوري على طريقة الكتناشيو والتي تعتمد على فرض الرقابة اللصيقة والدفاع المنظم.

فرض المدافعون الأيطاليون سيطرتهم الدفاعية ومراقبتهم اللصيقة للبرازيل وقد ركزوا على الجانب الأيسر مع ريفيلينو بعد تعليمات زاجالو بالإستحواذ على الكرة والإعتماد على ريفلينو.

لكن هذا لم يؤثر على منظومة البرازيل نظرا لتمتع الفريق بالحرية واللامركزية ليفوز راقصي السامبا بالمبارة في النهاية بنتيجة 4-1.

هذه هي حكاية هؤلاي الأساطير، ديكتاتور متعجرف فرض هيمنته على البلاد وفريق يسعى لتحقيق المجد من أجل إدخال البهجة والسرور مرة أخرى في قلوب أبناء شعبهم.

تمتع هؤلاء الأساطير بالسرعة والقوة والمهارة ليخترعوا أسلوب جديد من اللعب الساحر داخل المستطيل الأخضر. وضعت البرازيل القواعد الأولى لأسلوب اللعب المرن والهجومي المميز بعد أن نثر هؤلاي النجوم سحرهم في جميع أنحاء الملعب وفكوا طلاسم شباك خصومهم بتعويذاتهم الساحرة والمؤثرة.

موضوعات أخرى:

أخبار قد تعجبك

No stories found.
logo
واتس كورة
wtkora.com